بعد أن سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة درنة الليبية وعدد من المدن والمناطق الأخرى، يساور المجتمع الدولي القلق من أن يتمدد هذا التنظيم الإرهابي ويخترق حدود دول الجوار، مستغلا حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، وفي المقابل أبدى الليبيون انزعاجهم من تراخي المجتمع الدولي في التعامل مع الأوضاع في بلدهم مطالبين بتكثيف الإجراءات الأمنية لتحجيم المتشددين.
وأعربت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل عن قلقها من أن تتحول ليبيا إلى دولة فاشلة وتنزلق إلى الحرب الأهلية.
وقالت ميركل في تصريحات لها عقب لقائها رئيس وزراء مالطا، جوزيف موسكات في برلين، أمس الخميس “علينا أن نفعل كل ما نستطيع حتى لا تصبح ليبيا دولة فاشلة”، مؤكدة على دعم بلادها لمساعي الأمم المتحدة الرامية لإحلال السلام في ليبيا.
وعادة ما يطلق المسؤولون الحكوميون في الدول الغربية تصريحات مماثلة بخصوص الأزمة الليبية المتفاقمة دون اتخاذ إجراءات عاجلة وعمليّة لتحجيم التنظيمات الجهادية المتشددة وتثبيت مؤسسات الدولة.
وقد عبّر شقّ واسع من الليبيّين، في عديد المناسبات، عن استيائهم من التراخي الدولي في التعامل مع الأوضاع في بلدهم، وسط تهديدات جديّة بسبب اختراق داعش لحدود ليبيا وتمكّنه من القيام بهجمات إرهابية مكثّفة والسيطرة على بعض المناطق والمدن، وهو ما سيؤثّر سلبا على الأمن القومي لدول الجوار التي تتحرك ميدانيا ودبلوماسيا لمنع حدوث تنقّل الأسلحة والمقاتلين وتكوين خلايا إرهابية لتجنيد الشباب.
وتوجه الانتقادات عموما، إلى الولايات المتحدة التي يعتبر موقفها من الأزمة الليبية غير واضح، إذ تقتصر الإدارة الأميركية في تعاملها مع ما يحصل من اقتتال وتخريب في بنغازي وطرابلس على الإدانات والتنديدات شديدة اللهجة والتصريحات حول ضرورة إحلال السلام وتغليب الحل السياسي على التدخل العسكري.
ويشوب الموقف الأميركي إزاء أعمال العنف التي اجتاحت أغلب المدن الليبية الكثير من الغموض والضبابية، ففي الوقت الذي تلعب فيه الولايات المتحدة دورا محوريا في شنّ حرب ضدّ الإرهاب في سوريا والعراق، نرى عدم تحمسها الشديد للتدخل مباشرة لوقف نزيف الدم في ليبيا فهي تراقب عن كثب ما يجري وتصدر تصريحات عادية لا تعكس الموقف الحقيقي للسياسة الأميركية تجاه الإرهاب، على الأقل ظاهريا.
وفي نفس السياق، حذر عارف علي النايض السفير الليبي لدى دولة الإمارات العربيّة، من عدم اهتمام الغرب بالقدر الكافي لتوسع تنظيم داعش داخل ليبيا، متهما فصائل ليبية بمساعدة التنظيم وتأمين سهولة التحرك له بين ليبيا وسوريا والعراق.
ونقلت صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية، تصريحات عن النايض أكد فيها أن وصول داعش إلى داخل ليبيا يدلل على نمو الخطر منذ انسحاب الولايات المتحدة عقب مقتل سفيرها، كريس ستيفنز سنة 2012.
وأضاف أنه على المسؤولين الأميركيين أن يكونوا أكثر صدقا بشأن خطر المتطرفين المتنامي في ليبيا، وأكَّد وجود استخفاف لتهديد داعش لليبيا، وهو السبب لعدم وجود استراتيجية للتعامل معه.
وأكَّد السفير الليبي أن تنظيم داعش يسيطر على ست مدن وقرى ليبية من بينها طرابلس وصبراتة وسرت وزليطن، وأن له معسكرات تدريب قرب الحدود مع النيجر وتشاد.
يشار إلى أنه بعد سقوط نظام العقيد القذافي تحولت ليبيا إلى قبلة لجماعات متشددة، ينتمي أغلبها لتنظيم القاعدة أو للإخوان المسلمين، ووجدت هذه الجماعات دعما من دول مثل قطر وتركيا ما مكنها من تكوين ميليشيات واقتطاع أجزاء من الأراضي الليبية وإقامة كيانات صغيرة خاصة بها مثلما يجري في طرابلس على يد ميليشيا “فجر ليبيا”، أو في بنغازي على يدي ميليشيا “أنصار الشريعة” التي بايعت خلافة “داعش”.
وأعلن تنظيم داعش نفسه رسميا في ليبيا، كاشفا عن توسيع عملياته في البلاد، ونشر صورًا لما قال إنها عمليات قامت بها عناصره ضد الجيش الليبى في منطقة الليثي، التي تعد آخر معاقله في مدينة بنغازي، وفق ما ذكرته مصادر عسكرية.
وقال التنظيم، في بيان نشر على موقع تابع للجماعات المتشددة، في وقت سابق، إن ما سماها “سرية القنص” التابعة له، قامت بقتل 12 عنصرا من الموالين للجيش الليبي بحي الليثي، مشيرا إلى أنه يمتلك صواريخ وأسلحة متطورة في ليبيا.
الصراعات المسلحة تغرق ليبيا في أزمة غذائية ومالية حادة
تتصاعد مخاوف الليبيين يوما بعد يوم من انحدار البلاد في أزمة غذائية ومالية حادة، بسبب التوترات الأمنية السياسية والصراعات المسلحة، التي تنذر بدفع الاقتصاد الليبي نحو الانهيار، في وقت تبدو فيه الحكومتان المتصارعتان عاجزتين عن وقف التدهور.
حذر مسؤولون وخبراء ليبيون من أن البلاد باتت تواجه أزمة مالية وغذائية حادة، بعد توقف عشرات المصانع التي كانت تشارك في توفير احتياجات السوق المحلي، بالتزامن مع نذر أزمة سيولة وعجز حكومي عن سداد ديون واردات الحبوب.
وارتفعت مخاوف الليبيين في ظل ندرة الدقيق وارتفاع أسعار الخبز، إضافة إلى تأخر البنوك في صرف الرواتب الشهرية التي كانوا يحصلون عليها منذ عهد القذافي، وأبقت عليها الحكومات المتعاقبة لشراء السلم الأهلي.
وأعلنت الحكومة المؤقتة المعترف بها دوليا هذا الأسبوع، أنها بدأت في سحب كميات من احتياطياتها الاستراتيجية من القمح لتوفير إمدادات الخبر، وسط تحذيرات من أزمة غذائية حادة.
وتستهلك ليبيا التي يقطنها حوالي 6 ملايين نسمة و3 ملايين من الأجانب، مليوني طن من القمح سنويا وتستورد أكثر من 90 بالمئة منها.
وتسبب الاقتتال في مناطق متفرقة من ليبيا والصراع بين الحكومتين على مؤسسات الدولة في توقف الإمدادات من الموانئ والمعابر التي تمد أنحاء كثيرة في شرق البلاد والمناطق الداخلية الأخرى بالقمح وسلع أخرى.
كما تسبب في توقف نحو 35 مصنعا من إجمالي 55 كانت تشارك في توفير احتياجات السوق المحلي، ما أدى إلى أزمة إنسانية يبدو أنها آخذة في التفاقم.
وكانت بعض المخابز والمطاحن في طرابلس وبنغازي قد أغلقت أبوابها أو خفَّضت إنتاجها، بفعل التوترات الأمنية ونقص إمدادات الدقيق. وتحذر منظمات أهلية من الاستهلاك المفرط للخبز، وتشير إلى أن معظم الليبيين يترددون في شراء الخبز الذي مضت ساعة أو أكثر على تحضيره، ما يعني تبديد وإهدار كميات كبيرة.
لكن رئيس نقابة المخابز والمطاحن في بنغازي محمود العريبي، أكد في تصريحات سابقة، أنه سيتم توفير كميات كبيرة من القمح وتوزيعه على المطاحن في وقت قريب.
وأكدت وزارة الاقتصاد والصناعة في الأسبوع الماضي، أنها ستشرع في توزيع أكثر من 200 ألف كيس دقيق على المخابز لتوفير الخبز بانسيابية وسهولة لليبيين، لكن محللين حذروا من تلاعب أصحاب المخابز بمخصصاتهم من الدقيق، وبيعها في السوق السوداء بضعف أسعارها.
وكان رئيس اتحاد المطاحن عبدالكريم الدينالي، قد أكد في يناير الماضي، أنَ الأزمة لن تحل إلا بعد سداد ديون الاستيراد المتراكمة على الحومة منذ عام. ونفى توفير كميات كبيرة من القمح وتوزيعها على المطاحن، متهما ديوان المحاسبة والمصرف المركزي، بالتسبب في أزمة الخبز.
وقال إن الموازنة الخاصة بصندوق موازنة الأسعار لم تصرف بعد، مما يحول دون التمكن من استيراد الدقيق عن طريق المصارف التجارية.
وأيده جمال الشيباني مدير صندوق موازنة الأسعار، الذي حذر من أزمة غذائية حادة تطرق أبواب ليبيا ما لم يتدخل مصرف ليبيا المركزي لحل أزمة الديون المتراكمة على الصندوق والتي بلغت نحو 3.6 مليار دولار.
ولم يخف مدير عام الشركة الوطنية للمطاحن والأعلاف جمال جويلي في تصريحات سابقة للصحافة المحلية، مخاوفه من حدوث أزمة غذائية خانقة إذا لم تتوصل الجهات المعنية إلى حلول تنهي أزمة الدقيق.
وقال تجار أوروبيون، الأربعاء الماضي، إن المؤسسة الحكومية المسؤولة عن مشتريات القمح في البلاد لم تشتر أي كميات في مناقصة دولية طرحتها لشراء 50 ألف طن من القمح بسبب مشكلات في السداد ناجمة عن الاضطرابات السياسية وربما نقص في السيولة.
وتعتمد ليبيا بشكل كلي تقريبا على العوائد النفطية، التي تشكل معظم عوائد الدولة من النقد الأجنبي، وهي تمثل شريان الحياة الوحيد في البلاد. وقد تلقت ضربات شديدة من تراجع صادرات النفط بنحو 80 بالمئة عن مستويات ما قبل الثورة حين كانت تصل إلى 1.6 مليون برميل يوميا في عام 2010. وتفاقمت الأزمة حين تقلصت العوائد أكثر نتيجة تراجع أسعار النفط العالمية. وتواجه ليبيا أزمة مالية في ظل استمرار الفوضى الأمنية، التي تسببت في خسائر نفطية فادحة، ما زاد من الشكوك حول قدرة الدولة على توفير السيولة المطلوبة لتغطية الإنفاق خلال العام الجاري، وسط توقعات بتأجيل إعداد موازنة 2015 إلى أجل غير مسمّى.
وأعلن مدير سوق الأوراق المالية في ليبيا مصباح العكاري، أنَّ ليبيا فقدت 5 بالمئة من احتياطي النقد الأجنبي منذ نهاية نوفمبر الماضي، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد التي تعتمد على المواد النفطية، تراجعا حادا في إنتاجها من النفط الخام.
وكان البنك الدولي قد حذر الأسبوع الماضي من نفاد احتياطات ليبيا من النقد الأجنبي المقدرة بنحو 100 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة، في ظل استمرار الأزمة السياسية والتوترات الأمنية.
وتوقع البنك نسبة عجز تصل إلى 31 بالمئة في الموازنة العامة خلال العام الجاري، على افتراض متوسط سعر يبلغ 65 دولارا للبرميل، في ظل مستويات الإنتاج الحالية التي تبلغ نحو 350 ألف برميل حاليا.
التعليق بإستخدام حساب جوجل
تعليقات الفيسبوك